![]() |
حياة ابن جني |
هو أبو الفتح عثمان بن جِنِّي، ولم تذكر كتب التراجم نسباً له بعد جني ولم يعرف من أسرته غير أبيه، وكان أبوه جِنّي روميا يونانيا وكان مملوكا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي .([1]) وينتسب ابن جني أزديا، ويذكر كنيته بأبي الفتح، في كتابه " المنصف شرح تصريف المازني " قال أبو الفتح عثمان بن جني رحمه الله.... ([2]) وعلى الرغم من شهرته بكنيته أبي الفتح لم تذكر المصادر أن له ولداً بهذا الاسم.
ويعرف من شعره أن أصله رومي، فقد قال: ([3])
فإنْ أُصبحْ بلا نَسَبٍ فَعِلْمِي في الوَرَى نسبي
على أنـي أَؤُول إلـى قُرومٍ سادةٍ نُجُبِ
قَياصرةٍ إذا نَطقوا أَرمَّ الدَّهرُ ذو الخُطَبِ
أولاكَ دعا النَّبيُّ لهم كفى شرفاً دعاءُ نَبي
وجِنِّي([4]) علم رومي ويذكرون أنه مُعرب كِنِّي. وقال ابن ماكولا في كتابه " المؤتلف والمختلف " حكي لي إسمعيل بن المؤمل أن أبا الفتح كان يذكر أن أباه كان فاضلا بالرومية" وظاهر أن ابن جني يريد تفسير اسم أبيه جني الرومي، وأن معناه في العربية: فاضل، وجني تكتب بالحروف اللاتينية ممثلة للفظ اليوناني Gennaius، ومعناه: كريم، نبيل، جيد التفكير، عبقري، مخلص.([5])
ولم يعرف تاريخ ميلاده الحقيقي، ويقول من ترجم له، أنه ولد بالموصل قبل الثلاثين والثلاثمائة من الهجرة ([6]). ولكن د/ حسن هنداوي قال: "إنه مستبعد لأنه لم يرو أنه عُمٍّر طويلا"([7]).
وقيل إن ولادته كانت في بدء العصر العباسي الثاني حين استولى بنو بويه على بغداد سنة 334 ﻫ وهذا بعيد أيضا لأنه صحب أستاذه أبا على الفارسي أربعين سنة، وأبو علي توفي سنة 377 ﻫ.([8]) وأبو الفداء في كتابه " المختصر" يذكر ولادته سنة 302ه ويقول ابن قاضي شهبة في طبقات النحاة: " أنه توفي وهو في سن السبعين" فإذا أخذ بهذا وروعي أن وفاته كانت في سنة 392ه فإن ولادته تكون في سنة 332ه أو سنة 321ه . ([9])
و توفي ابن جني في يوم الخميس السابع والعشرين من صفر سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة وكان الرواة يجمعون على سنة وفاته([10]) إلا ما كان من ابن الأثير في تاريخه، فهو يذكر وفاته سنة 393 ه وتبعه أبو الفداء في المختصر، و القول الراجح في ذلك عند د /فاضل السامرائي في سنة وفاته هو (392ه) . وفي فهرست ابن النديم " توفي ليلة الجمعة وفي ديوان الشريف الرضي: أنه قد توفي ببغداد ليلة الجمعة وفيه أيضا: أنه تولي الصلاة عليه الشريف الرضي.([11])
و كان له ثلاثة أولاد، هم: علي وعال وعلاء، وكلهم أدباء فضلاء قد خرجهم والدهم، وحسن خطوطهم، فهم معدودون في الصحيحي الضبط، وحسني الخط ([12]) ويقول محمد علي النجار: ولم أر ذكرا في كتب الطبقات والأدب لغير "عال". وله ترجمة في معجم الأدباء يقول فيه: " كان نحويا أديبا، حسن الخط أخذ عن أبي الفتح بن جني، و عن عيسي بن علي " ([13])
ـــ حيات ابن جنی العلمية:
درس أبو الفتح اللغة العربية بعناية شديدة منذ صغره وتتلمذ على كثير من الأساتذة ومن أشهرهم أبو بكر محمد بن الحسن بن مقسم ([14]) فقد قرأ عليه "مجالس الثعلب" حيث قال ابن جني : " وأخبرنا أبوبكر محمد بن الحسن، عن أحمد بن يحي، قال: قال أبو عثمان المازني في قول الشاعر"([15]) وكذلك قال " أخبرني بذلك محمد بن الحسن قراءة عليه عن أحمد بن يحيى أن الكسائي حكى ذلك عنهم،" ([16]) كما قرأ على أبي الفرج على بن الحسين الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني المشهور، قال ابن جني " وقرأت على أبي الفرج على بن الحسين، عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي عن محمد بن حبيب لكثير... "([17]) وقال أيضا: " قرأت على أبي الفرج عن أبي عبد الله اليزيدي للجران..."([18]).
وأكثر من قرأ عليه ابن جني، هو أبو على الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي المتوفي سنة 377ه، فقد عاش معه أربعين سنة وكانت حادثة دفعته ليعود تلميذا يطلب العلم من جديد على يد أبي علي الفارسي، حيث مر به أستاذه أبو علي الفارسي و ابن جني يدرّس النحو وسأله في مسألة ولم يحسن الجواب فقال أبو علي الفارسي " زبّبت وأنت حِصْرِم " فسأل عنه فقيل هذا أبو على الفارسي، فلزمه يومئذ " ([19]) إلى أن خلفه في التدريس ببغداد حين توفي ([20]).
ومن الكتب التي قرأها عليه: كتاب سيبويه ([21]) ونوادر أبي زيد ([22]) وكتاب الهمز أيضا ([23]) وكتاب التصريف للأخفش الأوسط ([24]) وكتاب التصريف لأبي عثمان المازني ([25]) وكتاب الإبدال لابن السكيت ([26]) وبعض كتب الأصمعي([27])
وكان يكتب إلى أستاذه إذا كان بعيدا عنه ويسأله عن مسائل مختلفة، فيرد أبو على، كقوله: " وكتب إلىّ أبو على من حلب في جواب شيء سألتُه عنه "([28])
وقد برز ابن جني كشيخه في علم التصريف أكثر من علم النحو ودقق مسائله بحيث لم يأت أحد مثله بأي كتاب أكمل منه في التصريف قبله ولابعده وكان السبب كما ذكرنا أنه عاش مع شيخه أبي على الفارسي أربعين سنة، حتى حين مات شيخه خلف مكانه. وقال صاحب معجم الأدباء عن قدرته في علم التصريف " لم يكن في شيء من علومه أكمل منه في التصريف ولم يتكلم أحد في التصريف أدق كلاما منه "([29])، وكان ابن جني لايعرف إلا بالنحويّ لكنه كان إماما في النحو والصرف معا، وكان جده في الصرف أكثر وأبلغ من جده في النحو. ويبدو من مصنفاته أن " القسط الأكبر من نشاط ابن جني إنما كان في علم التصريف " ([30])
وابن جني أكثر في التصنيف حتى يكون عدد كتبه أكثر من الخمسين وقد تر ك كنزا ثمينا في اللغة العربية في مستوياتها المختلفة: المستوي الصوتي والصرفي والنحوي واللغوي واشتهر في عصره بإمامته في تلك العلوم، وكان أكثر علما في عصره بالنحو والصرف.([31]) وقد ذكرنا في المقدمة أن ابن جني كان يريد أن يضع كتابا مستقلا في جميع المعتلات في كلام العرب حيث قال " وإن وجدت فسحة وأمكن الوقت عملت بإذن الله تعالى كتابا أذكر فيه جميع المعتلات في كلام العرب وأميز ذوات الهمزة من ذوات الواو ومن ذوات الياء وأعطى كل جزء منها حظه من القول مستقصى إن شاء الله.([32]) و ذكر عن شيخه أبي على أن بعض أخوانه سأله بفارس إملاء شيء من ذلك فأمل منه صدرا كبيرا وتقصى القول فيه و أنه هلك في جملة ما فقده وأصيب به من كتبه، في حريق وقع بمدينة السلام([33]) وأيضا كان يود فسحة من العمر ليشرح إبدال ابن السكيت على منهجه المعروف([34])
وقد درّس ابن جني أبناء عضد الدولة: صمصام الدولة، و شرف الدولة، و بهاء الدولة،"([35]) وقد تلقى عنه أيضا جم غفير من التلاميذ ومن أشهر من أخذوا عنه أبو القاسم عمر بن ثابت الثمانيني النحوي، وأبو أحمد عبد السلام بن محد البصري، وأبو الحسن على بن عبيد الله بن عبد الغفار السمسمي([36])
كان ابن جني بصريا كشيخه أبي على، ويجري في كتبه ومباحثه على أصول مذهب البصريين، ويدافع عنه، و مع ذلك كان يأخذ بآراء غيرهم فنقل عن ثعلب، والكسائي، ومدحهما وقد يأخذ برأي البغدايين.([37])
وكان لابن جني علاقة خاصة بأبي الطيب المتنبي الشاعر فقد عاصره، وكان يعجب بشعره ويستشهد به في شرح معاني الكلمات، وكان المتنبي أيضا يحترمه كثيرا ويعظمه، إذا سئل عن شيء من مسائل التصريف والنحو في شعره فيقول:" سلوا صاحبنا أبا الفتح".كما سأله مرة رجل عن قوله " بادٍ هواك صبرت أم لم تصبرا...." فقال كيف أثبت الألف في " تصبرا " مع وجود "لم " الجازمة، وكان من حقه أن يقول " لم تَصْبِرْ" فقال المتنبي: لو كان أبو الفتح هاهنا لأجابك و هذا الألف هي بدل من نون التأكيد([38]). وقد تحدث ابن جني عن تلك المسألة في كتابه سر صناعة الإعراب، واستشهد بقول الأعشى:
ولَاتَعْبُدِ الشَّيْطَانَ والله فاعْبُدا....
قال ابن جني " وكان الأصل فأعْبُدْنَ فلما وقف أتى بالألف بدلا من نون التأكيد. ([39])
كان ابن جني أيضا بنفسه ينشد الشعر، ويجيد نظمه([40]) وأن له اشعار حسنة وله قصيدة طويلة رثى به المتنبي([41]) وقال الباخرزي في دمية القصر: " ليس لأحد من أئمة الأدب في فتح المقفلات، وشرح المشكلات ما له، وكدليل على ذلك فقد أثبت ياقوت في معجمه من خط أبي الفتح بن جني خطبة نكاح من إنشائه.([42])
و كان له طريقة خاصة في الخط معروفة، وقال: ياقوت في علي بن زيد القاشاني أحد أصحاب ابن جني " وهو صاحب الخط الكثير الضبط المعقد، سلك فيه طريقة شيخه أبي الفتح".([43])
ـــ مؤلفات ابن جني:
وقد ترك ابن جني كنزا ثمينا في اللغة العربية في مستوياتها المختلفة: المستوي الصوتي والصرفي والنحوي واللغوي واشتهر في عصره بإمامته في تلك العلوم، و ذاع صيته في علم التصريف خاصة . وقال صاحب معجم الأدباء: " وصنف في ذلك (التصريف) كتبا أبر بها على المتقدمين، وأعجز المتأخرين "([44]) وقال الدكتور كمال بشر عن نبوغه وبراعته " والحق أن النتائج التي وصل إليها هذا العالم في هذا الوقت الذي كان يعيش فيه لتعد مفخرة له ولمفكري العرب".([45])
ووضع الدكتور حسام سعيد النعيمي فهرس الكتب لابن جني في كتابه " ابن جني عالم العربية " وصرح أن "مصنفاته قد بلغت سبعة وستين ومن كتبه المطبوعة التى ذكرها :
1- التصريف الملوكي. حققه محمد سعيد النعسان دمشق 1390ه
2- تفسير أرجوزة أبي نواس حققه محمد بهجة الأثري دمشق 1386ه
3- التمام في تفسير أشعار هذيل مما أغفله أبو سعيد السكري حققه د. أحمد ناجي القيسي ود. أحمد مطلوب ود. خديجة الحديثي- بغداد 1381ه
4- التنبيه علي شر ح مشكلات الحماسة حققه عبد المحسن خلوصي (مطبوع بالآلة الكاتبة) 1974 رسالة ماحستير).
5- الخصائص. حققه محمد علي النجار - دار الكتب المصرية 1371ه
6- سر صناعة الاعراب، حققه الدكتور حسن هنداوي، الناشر : دارالقلم، بدمشق .
7- العروض، حققه د. حسن شاذلي فرهود 1392ه / 1982م
8 - عقود الهمز. طبعت مع رسالتين أخريين له أيضا هما: المقتضب من كلام العرب، وما يحتاج إليه الكاتب، نشرها وجيه فارس الكيلاني بعنوان: ثلاث رسائل للإمام أبي الفتح عثمان بن جني - مصر 1342ه
9- علل التثنية، رسالة حققها عبد القادر المهيري في حوليات الجامعة التونسية.
10- الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي حققه د. محسن غياض، بغداد 1983 م
11- الفسر (ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح ابن جني، حققه د. صفاء خلوصي ببغداد 1390ه
12- اللمع في العربية، حققه حامد المؤمن - بيروت 1985م
13- المبهج في شرح أسماء شعر الحماسة - دمشق 1347ه
13- المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها. حقق الجزء الأول الأستاذ على النجدي ناصف ود. عبد الحليم النجار ود. عبد الفتاح إسماعيل - القاهرة 1386ه /1969 والجز الثاني حققه الأستاذ على النجدي ناصف ود.عبد الفتاح إسماعيل .
15- مختصر القوافي حققه د. حسن شاذلي فرهود 1395ه - 1975 م.
16- المنصف شرح تصريف المازني، حققه ابراهيم مصطفي وعبد الله أمين - القاهرة 1373ه - 1954م
------------------------------
حوالہ جات :
[1]- تاريخ بغداد 11/ 311، وإنباه الرواة 2/ 335، والبلغة ص 137، ووفيات الأعيان 3/ 246 وشذرات الذهب 3/ 140، ومعجم الأدباء ص 12/ 81
[2]- المنصف 1/ 1
[3]- معجم الأدباء ص 12/ 83
[4]- جِنِّي: بكسر الجيم وتشديد النون وكسرها وسكون الياء .
[5]- مقدمة" الخصائص" لمحقق محمد علي النجار ص 8
[6]- معجم الأدباء 12/ 83
[7]- مقدمة "سر صناعة الإعراب" للمحقق د/ حسن هنداوي ص 8
[8]- مقدمة "سر صناعة الإعراب" للمحقق د/ حسن هنداوي ص 8
[9]- مقدمة" الخصائص" للمحقق محمد علي النجار ص 55
[10]- مقدمة" الخصائص" لمحقق محمد علي النجار ص 59
[11]- مقدمة" الخصائص" لمحقق محمد علي النجار ص 59
[12]- معجم الأدباء 12 / 91
[13]- مقدمة" الخصائص" للمحقق محمد علي النجار ص 55
[14]- انظر ذكره في سر صناعة الإعراب ص 135، 142، 155، 160، 161، 166، 206
[15]- سر صناعة الإعراب ص 135
[16]- سر صناعاة الإعراب ص 142
[17]- سر صناعة الإعراب ص 74
[18]- سر صناعة الإعراب ص 202
[19]- معجم الإدباء ص 12/ 90
[20]- معجم الأدباء:ج 12: ص 90.
[21]- سر صناعة الإعراب ص 546
[22]- سر صناعة الإعراب ص 77، 56
[23] - سر صناعة الإعراب ص 722
[24]- سر صناعة الإعراب ص 751
[25]- سر صناعة الإعراب ص 98 وانظر أيضا في المنصف ص 6
[26]- سر صناعة الإعراب ص 239، 553
[27]- سر صناعة الإعراب ص 690
[28]- سر صناعة الإعراب ص 562
[29]- معجم الأدباء: ص 12/ 81
[30]- المدارس النحوية، لشوقي ضيف ص 266
[31]- المدارس النحوية لشوفي ضيف ص 266
[32]- سر صناعة الإعراب ص ص 606
[33]- سر صناعة الإعراب ص ص 607
[34]- الخصائص ص 2 / 88
[35]- إنباه الرواة 2/ 340
[36]- أنباه الرواة ص 2/ 288، ومعجم الأدباء 14/ 58
[37]- المنصف ص 16
[38]- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ص 3/ 248
[39]- سر صناعة الإعراب ص 678
[40]- تاريخ البغداد ص 11/ 311
[41]- دمية القصر، ص 1481 ومعجم الأدباء ص 12/ 86
[42]- انظر الخطبة في معجم ياقوت ص 12/ 93- 96
[43]- معجم الأدباء 12 / 219
[44]- معجم الأدباء: 12 ص 81
[45]- اللغة العربية معاناها ومبناها